اخبار السياراتاخبار عالميةشروحات ونصائحمقالات

الطين أو الصلصال إحدى أهم خطوات تصميم السيارات لكن مع التطور التقني حالياً لماذا لم تطله الثورة الرقمية

في زمنٍ تتسارع فيه التقنيات وظهور بدائل تقنية تستبدل كل الاساليب القديمة في الثورة الصناعية والتي تتحول فيه السيارات إلى منصات رقمية على عجلات، يبدو غريباً أن نسمع بأن كبرى شركات السيارات، من «مرسيدس» إلى «تويوتا»، ما زالت تصنع نماذج طينية بالحجم الكامل لكل تصميم جديد.

قد يبدو ذلك عودة إلى الوراء، لكن الحقيقة أن هذا “القديم” ما زال يفرض نفسه كجزءٍ أساسي من عملية التصميم الحديثة. فبينما تستبدل الشركات المحركات بالبطاريات، وتستعين بالحواسيب العملاقة لمحاكاة الهواء والضوء، يظلّ “الطين” هو الامتحان الحقيقي لجمال السيارة قبل أن ترى النور.

الطين في تصميم السيارات
الطين في تصميم السيارات

من ثلاثينيات القرن الماضي إلى اليوم

تبدأ الحكاية في ثلاثينيات القرن الماضي، حين ابتكر هارلي إيرل، أسطورة التصميم في شركة «جنرال موتورز» (GM)، طريقة جديدة لتجسيد الأفكار باستخدام قوالب طينية بالحجم الكامل. كان المصممون في ذلك الوقت يعتمدون على الخشب والمعدن، وهي مواد جامدة لا تساعد على إبراز الانحناءات الانسيابية التي ميّزت عصر «الآرت ديكو».

لكن عندما أدخل إيرل الطين إلى المشهد، تغيّر كل شيء. أصبح بالإمكان «نحت» السيارة كما ينحت الفنان تمثالاً، وتحويل الفكرة من رسمٍ على الورق إلى كيانٍ يمكن لمسه والدوران حوله. واليوم، بعد مرور قرن تقريباً، لا يزال هذا الأسلوب حيّاً في مراكز التصميم من ديترويت إلى شتوتغارت وطوكيو.

الطين في تصميم السيارات
الطين في تصميم السيارات

طريقة بناء السيارة من الطين

تبدأ العملية بتصميم رقمي أو رسمة أولية على الورق. وعندما تتم الموافقة على الفكرة، يبدأ الفريق ببناء الهيكل الأساسي أو ما يُعرف بـ الـArmature – إطار من الألمنيوم يُحدد أبعاد السيارة. يُغطّى هذا الإطار بمواد خفيفة مثل الفوم، ثم تُطبّق عليه طبقات من طين صناعي خاص يُسخّن ليصبح مرناً وسهل التشكيل.

بعد ذلك، تدخل الآلة ذات الخمسة محاور لتقطع الخطوط الأساسية بدقة هندسية، قبل أن يتولى الفنانون مهمّة النحت اليدويّ لإضفاء الحيوية على التفاصيل الدقيقة. وفي النهاية، يمكن تغليف النموذج وطلاؤه بألوان مختلفة أو تركيب عجلات حقيقية ليبدو وكأنه سيارة مكتملة، جاهزة لتُعرض أمام المديرين أو حتى الجمهور.

الطين في تصميم السيارات
الطين في تصميم السيارات

لماذا لا تُستبدل النماذج الطينية

رغم كل التطور في برامج التصميم والواقع الافتراضي، إلا أن النماذج الطينية تحتفظ بسحرٍ لا يمكن للحاسوب محاكاته.
رؤية واقعية ثلاثية الأبعاد: يمكن للمصمم أن يسير حول السيارة، ويختبر انعكاس الضوء على خطوطها، ويشعر بتوازن النسب في الواقع لا على الشاشة.

  • سهولة التعديل: بخلاف التصميم الرقمي، يمكن إعادة نحت خط أو زاوية مباشرة دون الحاجة لإعادة تصيير (Rendering) النموذج بالكامل.
  • اختبار بصري حقيقي: تحت الإضاءة الطبيعية، يكشف الطين كيف «يتنفس» التصميم في بيئته الواقعية، وهي خطوة حاسمة قبل التصنيع.
  • عامل الإبهار: عند عرض نموذج طيني أمام الزوار أو المستثمرين، يكون التأثير أكبر بكثير من مجرد عرضٍ ثلاثي الأبعاد على شاشة.
الطين في تصميم السيارات
الطين في تصميم السيارات

وكما قال أحد كبار مصممي «فولكس واجن»: «النموذج الرقمي يُقنع العقل، أما الطيني فيقنع القلب».

بين التكلفة والزمن والمهارة

بالطبع النماذج الطينية ليست خالية من العيوب.

  • التكلفة العالية: يكلف بناء نموذج بالحجم الكامل يتجاوز 200 ألف دولار أمريكي ، ويحتاج إلى فرق من الحرفيين ذوي الخبرة النادرة.
  • الوقت الطويل: من الفكرة إلى الشكل النهائي، قد تمتد العملية أسابيع أو حتى أشهر، بينما النماذج الرقمية تتم في أيام.
  • نقص الكفاءات: مع تراجع الاهتمام بتعليم فن «نحت السيارات»، تواجه الصناعة نقصاً متزايداً في النحاتين المتخصّصين.
  • تسارع السوق: في عصر تتغير فيه توجهات المستهلكين بسرعة، تصبح هذه العملية التقليدية أبطأ من المطلوب في بعض الأحيان.
الطين في تصميم السيارات
الطين في تصميم السيارات

ومع ذلك، يدرك صناع السيارات أن التخلي عنها تماماً قد يعني فقدان “اللمسة الإنسانية” التي تميّز التصميم الجيد عن العادي.

استثمار في الجمال أم عبء مالي؟

من منظور اقتصادي، تبدو النمذجة الطينية رفاهية في البداية، لكنها في الحقيقة تقلّل التكاليف على المدى الطويل. فوجود نموذج واقعي يساعد الشركات على اكتشاف العيوب البصرية أو النسب غير المتناسقة قبل بدء الإنتاج، ما يوفّر ملايين الدولارات التي قد تُهدر عند تعديل قوالب التصنيع. إضافةً إلى ذلك، تُعد هذه النماذج أداة تسويقية قوية، إذ تُستخدم في تصوير الإعلانات والعروض الصحفية، ما يمنح الشركة صورة تجمع بين الدقّة التقنية والهوية الحِرفية. وفي عالمٍ تتحكم فيه الخوارزميات، يصبح الحفاظ على هذا “الطابع الإنساني” ميزة تسويقية بحد ذاتها.

الطين في تصميم السيارات
الطين في تصميم السيارات

التصميم الحقيقي خالدً الى الأبد

في النهاية، تُثبت النماذج الطينية أن الفن لا ينفصل عن الصناعة، وأن السيارة ليست مجرد معادلة هندسية، بل قطعة فنية تُجسّد هوية العلامة وشغف مصمميها. ربما سيأتي يوم تُحاكي فيه تقنيات الواقع الافتراضي كل ملمسٍ وظلّ، لكن حتى ذلك الحين، سيظل الطين هو المرآة التي يرى فيها المصمم سيارته لأول مرة كما ستبدو على الطريق. التكنولوجيا قد تُحاكي الشكل، لكنها لا تستطيع أن تنقل الإحساس، وهذا ما يجعل “نحت الطين” جزءاً خالداً من روح التصميم.

الطين في تصميم السيارات
الطين في تصميم السيارات
الطين في تصميم السيارات
الطين في تصميم السيارات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى